لا أخفي عليكم مدى الشقاء الذي أحياه ، حتى أنني يئست أن يستجاب دعائي ، أنا أم لأربعة أبناء ، وزوجة لرجل لا أحبه ، حاولت معه كثيراً ، ولكن بلا فائدة.
أشعر أن عقيدتي تأثرت كثيراً ، لقد تحولت علاقتي بزوجي إلى سجال.
وفي نهايته يعلن زوجي أن هذا الأمر ليس بواجب ، ويخرج في سبيل الله لأن ذلك فرض عين ، لقد أصبحت حياتنا سلسلة من حلقات الجبر ، وسوء المعاملة ، ليس معي فقط ، بل إنه يجبر أبناءنا الذين لم يبلغوا بعد على صيام النفل.
لقد صبرت حتى الثمالة 11 عاماً ، بلا حياة مستقرة ، بعيدة عن وطني ، لقد حصل جميع أبنائي على الجنسية السعودية.
ولكنه يرفض أن أحصل عليها ، الحياة أصبحت بلا معنى ، لقد قرر أن يذهب بي إلى وطني ، ثم يفكر فيما سيفعله معي ، كل ما يشغل تفكيري هو ماذا أفعل إن مات زوجي ، من سيتزوج أرملة مثلي ؟
من سيحيط أبنائي بالحب والرعاية ؟ كيف أنفق عليهم وأنا ليس لي أخوات ، وأخي لا يزال على كفره ؟ أبي وأمي مسلمان ، ولكنهما غير ملتزمين ، وأهل زوجي يعيشون في الولايات المتحدة حياة غربية تماماً.
وزوجي ذو الأخلاق السيئة ، القوَّام ، الصوَّام ، يدفعني يوماً بعد يوم إلى مزيد من الخلافات ، واللعنات ، والتلفظ بكلمات الكفر ! كيف أنقذ نفسي ؟ وماذا أفعل ؟ حتى ما أتكسبه من مال قليل يكره أن يظل معي ، إنني لا زلت أحبه ، ولكني في قلق بالغ ماذا إذا توفى عني ؟ .
الحمد لله:
أولاً : بخصوص انشغال الزوج بالدعوة ، وإهماله لأسرته : فقد ذكرنا الكلام حوله في أجوبة الأسئلة ( 6913 ) و ( 3043 ) و ( 23481 ) ، فلتنظر .
ثانياً: جاء في أول سؤالكِ قولكِ " حتى إنني يئست أن يستجاب دعائي " ! وهذا خطأ ، ومخالف لشرع الله ، والمسلم إما أن يقبل الله تعالى دعاءه ، أو لا يقبله.
فإن لم يقبله فليفتش في سبب ذلك في نفسه ، فقد يوجد عنده من موانع الاستجابة ما يمنع من قبول دعائه ، كأكل الحرام ، ولبس الحرام ، والدعاء بالإثم .وانظر تفصيل ذلك بتمامه وكماله في جواب السؤال رقم : ( 5113 ) .
وإذا قبل الرب تعالى دعاء عبده : فإن الاستجابة ليست هي فقط تحقيق مطلوبه ، بل ويضاف إليه أمران : ادخار أجر دعائه ثواباً ليوم الحساب ، وصرف السوء عنه بقدر دعائه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ ) .
رواه أحمد ( 10749 ) ، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" ( 1633 ) . وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من اليأس من الاستجابة ، وبيَّن أنه لا يستجاب لمثل ذلك العبد ؛ لأن يأسه يؤدي به إلى ترك الدعاء ، وإنما يستجاب لمن كرَّر وألَّح على الله ، وليست الاستجابة للمانِّ بدعائه على ربه ، وهو الغني عن خلقه عز وجل .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا الِاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ : يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي ، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) .
رواه البخاري ( 5981 ) ومسلم ( 2735 ) – واللفظ له - . قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء ، وهو أنه يلازم الطلب ، ولا ييأس من الإجابة ؛ لما في ذلك من الانقياد ، والاستسلام ، وإظهار الافتقار ، حتى قال بعض السلف : لأنا أشد خشية أن أُحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة ... .
دعوة المؤمن لا ترد وأنها إما أن تُعجَّل له الإجابة ، وإما أن تدفع عنه من السوء مثلها ، وإما أن يُدَّخر له في الآخرة خير مما سأل ، فأشار الداودي إلى ذلك ، وإلى ذلك أشار ابن الجوزي رحمه الله بقوله : " اعلم أن دعاء المؤمن لا يردُّ غير أنه قد يكون الأولى له تأخير الإجابة ، أو يعوَّض بما هو أولى له عاجلاً ، أو آجلاً فينبغي للمؤمن أن لا يترك الطلب من ربه ؛ فإنه متعبد بالدعاء ، كما هو متعبد بالتسليم ، والتفويض " .
" فتح الباري " ( 11 / 141 ) .
ثالثاً: لا ندري كيف نصف أولئك الأزواج الذين لا يؤدون ما أوجب الله عليهم من العناية بزوجاتهم وبنيهم ، ولا ندري كيف فهموا الإسلام الذي يدعون الناس للالتزام به ، فقد أوصى الله تعالى الأزواج بزوجاتهم وأولادهم خيراً ، وجعلهم أمانة في عنقه ، وأوجب عليهم النصح لهم ، ووقايتهم من عذاب السعير.
وهم أولى بالدعوة من غيرهم ، ومن أوائل ما أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم هو قوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) الشعراء/ 214 ، وقد استجاب نبيه صلى الله عليه وسلم لذلك الأمر ، فدعا أبا طالب عمَّه للإسلام.
ولم يزل يدعوه حتى في مرض موته ، ثم جمع عمه العباس ، وعمته صفية ، وابنته فاطمة ، فدعاهم ، ونصحهم ، وذكَّرهم بيوم الحساب ، وأنه لا يغني عنهم شيئاً ، وكذا فعل مع خديجة زوجته رضي الله عنها ، فكانت أول من أسلم من أهل الأرض جميعاً .
إن الداعية إلى الله يجب أن يكون مخلصاً في نيته ، ومتقناً في عمله ، ومن الإخلاص : أن ينوي بدعوته وجه الله تعالى ، ومن الإتقان : أن يبدأ بأهل بيته فيقدمهم على غيرهم ، ولا يفرِّط في نصحهم وإرشادهم ، ولا ينبغي له إغفال ذلك ، ومعارضته بدعوة الناس ، أو الانشغال بأمور الدنيا .
وإذا كان عنده زوجة ترعى شئون بيته ، وأولاده : فإنها تؤدي معه رسالة بالغة الأهمية ، وتقوم بإعانته على أمرٍ جلل ، فليحفظ هذا لها ، وهي إن كانت غريبة في بيئته : فإنه يجب عليه أن يوليها عناية خاصة ، وأن يرحم ضعفها ، وغربتها ، وأن لا يتسلط عليها قهراً ، وجبروتاً .
فليس عندنا إلا الإنكار على زوجك أخطاءه ، والنصح لك بالصبر والدعاء ، فعسى الله أن يبدِّل الحال إلى أحسن منه ، وإياكِ أن يتسرب اليأس إلى قلبك ، واعلمي أن الله تعالى أرحم بخلقه من الأم على ولدها ، فإن حصل لك طلاق : فليست هذه نهاية الدنيا.
وليس الزوج هو الذي يرزقك ، ويرزق أولادك ، والله تعالى حيُّ لا يموت ، وخزائنه تعالى لا تنفد ، وقد أخبرنا ربنا تعالى أنه قد يكون مع الطلاق الفرج والسعة من الرزق ، فقال : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً ) النساء/ 130 .
قال الطبري – رحمه الله - : " ( يُغْنِ الله كلا من سعته ) يقول : يُغن الله الزوجَ والمرأةَ المطلقة من سعة فضله ، أما هذه : فبزوجٍ هو أصلح لها من المطلِّق الأول ، أو برزق أوسع ، وعصمة ، وأما هذا : فبرزقٍ واسع ، وزوجة هي أصلح له من المطلقة ، أو عفة . ( وكان الله واسعاً ) يعني : وكان الله واسعاً لهما ، في رزقه إياهما ، وغيرهما من خلقه .
( حكيماً ) فيما قضى بينه وبينها من الفرقة ، والطلاق ، وسائر المعاني التي عرفناها من الحكم بينهما في هذه الآيات وغيرها ، وفي غير ذلك من أحكامه ، وتدبيره ، وقضاياه في خلقه " انتهى .
" تفسير الطبري " ( 9 / 294 ) .
وتغفل كثير من النساء عن هذه الحقيقة ، فتظن أن طلاقها سيكون معه فقرها ، وهو خلل في الاعتقاد يجب أن تتنزه عنه ، كما أنه مخالف للواقع ، وكما أن الغنى يكون بالنكاح : فإنه يكون كذلك مع الطلاق .
رابعاً: ما أقلقنا حقّاً وأزعجنا هو خاتمة رسالتك ، حيث ذكرتِ أن زوجك يدفعك إلى التلفظ بكلمات الكفر ! : فإن كان هذا مجرد خشية من وقوع ذلك منكِ : فهو أمرٌ خطير لا يحل لك السكوت عليه ، ويجب عليك أنت المبادرة للتخلص من هذا الزواج الذي من المحتمل أن يتسبب لك في التلفظ بالكفر.
وأما إن كنتِ تخبرين عن واقعٍ حصل ، وأنكِ بالفعل قد تلفظتِ بكلمة الكفر : فاعلمي أنك وقعت في شرٍّ وسوء ومنكر بما لا يمكن مقارنته بما وقع فيه زوجكِ ، فكلمة الكفر التي تُنطق من غير إكراه ولا خطأ : تُخرج صاحبها من الإسلام.
وتخلده في نار جهنم إن مات على ذلك ، ولم يردع نفسه بتوبة ودخول في الإسلام من جديد ، فاحذري أشد الحذر إن لم يقع منك ذلك ، وإن وقع فاعلمي أنها ردة ، وأن الأعمال الصالحة تُحبط بها ، وأن عقد الزواج مفسوخ ، إلا أن تتوبي إلى الله تعالى بالدخول في الإسلام من جديد .
وإن أخشى ما نخشاه أن تكوني قد أُتِيت من قبل نفسك ، فإن المرأة التي يستدرجها الشيطان إلى مثل ذلك ، أو تدفعها مشاكل الحياة إلى ألفاظ الكفر ، ربما رأى منها زوجها من ضعف الدين ، وقلة مبالاتها به : ما يزهده فيها ، ويبغض إليه عشرتها . وانظري – في تفصيل ذلك - : ( 42505 ) و ( 65551 ) و ( 103082 ) .
وخلاصة نصيحتنا لك يا أمة الله : أن تهتمي أنت ـ أولا ، وقبل كل شيء ـ بإصلاح ما اختل من أمر دينك ، وبناء ما وهى منه ، قبل أن تندمي ، ساعة لا ينفع الندم.
قال يونس بن جبير رحمه الله : شيعنا جندب بن عبد الله ، فلما بلغنا حصن المكاتب قلنا له : أوصنا .
قال : ( أوصيكم بتقوى الله ، والقران ؛ فانه نور الليل المظلم ، وهدى النهار ؛ فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقة ، وإن عرض بلاء : فقدم مالك دون نفسك ، فان تجاوز البلاء : فقدم مالك ونفسك دون دينك ؛ فان المحروب من حُرِب دينه.
والمسلوب من سلب دينه ؛ إنه لا غنى بعد النار ، ولا فاقة بعد الجنة ، وإن النار لا يفك أسيرها ، ولا يستغني فقيرها ) رواه الإمام أحمد في الزهد (202) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2048) والبيهقي في شعب الإيمان (3/402ـ ط الرشد ) ، وإسناده صحيح .
ونذكرك ـ أخيرا ـ بقول الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) مريم/96 . قال قتادة رحمه الله : " إي والله في قلوب أهل الإيمان ، ذُكر لنا أن هَرِم بن حيان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله ، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم " . رواه الطبري في تفسيره (18/262) وسنده صحيح إلى قتادة .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله:
" هذا من نعمه على عباده ، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح : أن وعدهم أنه يجعل لهم ودا ، أي: محبة وودادا في قلوب أوليائه ، وأهل السماء والأرض ، وإذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من أمورهم.
وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل ، ولهذا ورد في الحديث الصحيح:
" إن الله إذا أحب عبدا ، نادى جبريل : إني أحب فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء: ( إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض :
إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نادى جِبْرِيلَ فَقَالَ : إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي فِي أهل السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ) [ متفق عليه ] ، وإنما جعل الله لهم ودا لأنهم ودوه ، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه " انتهى . تفسير السعدي (501) .
والله أعلم
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب